فصل: مطلب فِي كَرَاهَةِ الْعِنَاقِ عِنْدَ مَالِكٍ

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: غذاء الألباب لشرح منظومة الآداب **


 مطلب فِي كَرَاهَةِ الْعِنَاقِ عِنْدَ مَالِكٍ

وَأَنَّهُ بِدْعَةٌ وَكَرِهَ مَالِكٌ مُعَانَقَةَ الْقَادِمِ مِنْ سَفَرٍ وَقَالَ بِدْعَةٌ ‏,‏ وَاعْتَذَرَ عَنْ فِعْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ذَلِكَ بِجَعْفَرٍ حِينَ قَدِمَ مِنْ الْحَبَشَةِ بِأَنَّهُ خَاصٌّ لَهُ فَقَالَ لَهُ سُفْيَانُ مَا تَخُصُّهُ بِغَيْرِ دَلِيلٍ فَسَكَتَ مَالِكٌ ‏,‏ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ‏:‏ وَسُكُوتُهُ دَلِيلٌ لِتَسْلِيمِ قَوْلِ سُفْيَانَ وَمُوَافَقَتِهِ وَهُوَ الصَّوَابُ حَتَّى يَقُومَ دَلِيلُ التَّخْصِيصِ ‏.‏

انْتَهَى ‏.‏

وَقَالَ النَّاظِمُ تَدَيُّنًا أَيْ لِأَجْلِ الدِّينِ وَالِاحْتِرَامِ ‏,‏ وَالْمَوَدَّةِ وَالْإِكْرَامِ ‏,‏ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الْإِمَامُ رضي الله عنه الْمَلِكُ السَّلَامُ ‏,‏ وَظَاهِرُ النَّظْمِ عَدَمُ حِلِّهِ لِأَجْلِ الدُّنْيَا ‏,‏ وَالْكَرَاهَةُ أَوْلَى كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْآدَابِ الْكُبْرَى ‏.‏

 مطلب فِي كَرَاهَةِ مُنَاجَاةِ الِاثْنَيْنِ دُونَ الثَّالِثِ حَالَ الرُّفْقَةِ

‏(‏وَ‏)‏ يُكْرَهُ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ إذَا كَانَ هُنَاكَ جَمْعٌ ‏(‏أَنْ يَتَنَاجَى‏)‏ مِنْ الْمُنَاجَاةِ وَهِيَ الْمُسَارَّةُ ‏,‏ يُقَالُ نَاجَاهُ مُنَاجَاةً سَارَّهُ وَانْتَجَاهُ خَصَّهُ بِمُنَاجَاتِهِ كَمَا فِي الْقَامُوسِ وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ‏:‏ الْمُنَاجِي هُوَ الْمُخَاطِبُ لِلْإِنْسَانِ وَالْمُحَدِّثُ لَهُ يُقَالُ نَاجَاهُ يُنَاجِيهِ مُنَاجَاةً فَهُوَ مُنَاجٍ ‏,‏ وَالنَّجِيُّ فَعِيلٌ مِنْهُ ‏,‏ وَقَدْ تَنَاجَيْنَا مُنَاجَاةً وَانْتِجَاءً ‏,‏ وَمِنْهُ حَدِيثُ ‏"‏ لَا يَتَنَاجَى اثْنَانِ دُونَ الثَّالِثِ ‏"‏ وَفِي رِوَايَةٍ ‏"‏ لَا يَتَنَاجَى اثْنَانِ دُونَ صَاحِبِهِمَا ‏"‏ أَيْ لَا يَتَسَارَّانِ مُنْفَرِدَيْنِ عَنْهُ ‏,‏ لِأَنَّ ذَلِكَ يَسُوءُهُ ‏.‏

‏(‏الْجَمْعُ‏)‏ فَاعِلُ يَتَنَاجَى وَالْمُرَادُ بِهِ اثْنَانِ فَأَكْثَرُ ‏(‏مَا‏)‏ زَائِدَةٌ ‏(‏دُونَ‏)‏ إنْسَانٍ وَاحِدٍ ‏(‏مُفْرَدٍ‏)‏ لِمَا أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ ‏"‏ إذَا كُنْتُمْ ثَلَاثَةً فَلَا يَتَنَاجَى اثْنَانِ دُونَ الْآخَرِ حَتَّى يَخْتَلِطُوا بِالنَّاسِ مِنْ أَجْلِ أَنَّ ذَلِكَ يُحْزِنُهُ ‏"‏ وَفِي رِوَايَةٍ ‏"‏ أَجْلَ أَنَّ ذَلِكَ يُحْزِنُهُ ‏"‏ بِإِسْقَاطِ مِنْ ‏,‏ وَهِيَ رِوَايَةُ الْبُخَارِيِّ فِي الصَّحِيحِ ‏.‏

وَفِي الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ لَهُ بِإِسْنَادِ الصَّحِيحِ بِزِيَادَةِ مِنْ ‏.‏

قَالَ الْخَطَّابِيُّ‏:‏ نَطَقُوا بِهَا اللَّفْظَ بِإِسْقَاطِ مِنْ ذَكَرَ لَهُ شَاهِدًا وَيَجُوزُ كَسْرُ هَمْزَةِ أَنَّ وَالْمَشْهُورُ فَتْحُهَا ‏.‏

انْتَهَى ‏.‏

قَالَ الْخَطَّابِيُّ إنَّمَا يُحْزِنُهُ لِأَجْلِ مَعْنَيَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ رُبَّمَا يَتَوَهَّمُ أَنَّ نَجْوَاهُمَا لِتَبْيِيتِ رَأْيٍ أَوْ تَدْسِيسِ غَائِلَةٍ لَهُ ‏,‏ وَالثَّانِي مِنْ أَجْلِ الِاخْتِصَاصِ بِالْكَرَامَةِ وَهُوَ يُحْزِنُ صَاحِبَهُ ‏.‏

وَأَخْرَجَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي الله عنهما قَالَ‏:‏ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ‏"‏ لَا يَحِلُّ لِثَلَاثَةٍ يَكُونُونَ بِأَرْضٍ فَلَاةٍ يَتَنَاجَى اثْنَانِ دُونَ الثَّالِثِ ‏.‏

قَالَ فِي الْآدَابِ الْكُبْرَى‏:‏ وَالنَّهْيُ عَامٌّ وِفَاقًا لِلْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ ‏.‏

وَخَصَّهُ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ بِالسَّفَرِ ‏.‏

وَزَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ مَنْسُوخٌ وَأَنَّهُ كَانَ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ‏.‏

‏(‏تَنْبِيهَاتٌ‏:‏ الْأَوَّلُ‏)‏ ظَاهِرُ هَذَا الْحَدِيثِ الْحُرْمَةُ لَا الْكَرَاهَةُ ‏,‏ فَإِنَّهُ مَتَى انْتَفَى الْحِلُّ خَلَفَهُ الْحَظْرُ ‏,‏ وَجَزَمَ بِهِ النَّوَوِيُّ ‏,‏ وَمِنْ ثَمَّ قَالَ بَعْضُهُمْ نَسَخَهُ ‏.‏

وَالْمُعْتَمَدُ فِقْهًا يُكْرَهُ ذَلِكَ تَنْزِيهًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ‏.‏

‏(‏الثَّانِي‏)‏ مَفْهُومُ كَلَامِ النَّاظِمِ لَوْ كَانُوا أَرْبَعَةً فَتَنَاجَى ثَلَاثَةٌ دُونَ الرَّابِعِ أَنَّ ذَلِكَ مَكْرُوهٌ ‏.‏

قَالَ فِي الرِّعَايَةِ‏:‏ وَيُكْرَهُ أَنْ يَتَنَاجَى اثْنَانِ دُونَ ثَالِثِهِمَا ‏.‏

وَفِي الْمُجَرَّدِ‏:‏ وَلَا يَتَنَاجَى اثْنَانِ دُونَ وَاحِدٍ ‏.‏

قَالَ فِي الْآدَابِ‏:‏ وَمُرَادُهُمْ جَمَاعَةٌ دُونَ وَاحِدٍ اقْتَصَرَ عَلَيْهِ ‏.‏

وَقَالَ الْحَجَّاوِيُّ‏:‏ وَلَا يُكْرَهُ إلَّا إذَا كَانُوا ثَلَاثَةً لَا أَرْبَعَةً فَأَكْثَرَ ‏.‏

فَقَوْلُ النَّاظِمِ الْجَمْعُ يُحْمَلُ عَلَى الِاثْنَيْنِ لِأَنَّهُ أَقَلُّ الْجَمْعِ عَلَى قَوْلٍ ‏.‏

وَلَا يَسْتَقِيمُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ بِالْجَمْعِ الثَّلَاثَةُ لِأَنَّهُ يُفْضِي إلَى الْكَرَاهَةِ إذَا كَانُوا أَرْبَعَةً وَاسْتَدَلَّ لِذَلِكَ بِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ ‏"‏ إذَا كَانُوا ثَلَاثَةً فَلَا يَتَنَاجَى اثْنَانِ دُونَ الثَّالِثِ ‏"‏ أَخْرَجَاهُ وَزَادَ أَبُو صَالِحٍ قُلْت لِابْنِ عُمَرَ فَأَرْبَعَةٌ‏؟‏ قَالَ لَا يَضُرُّك رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ وَقَالَ كُنْت أَنَا وَابْنُ عُمَرَ عِنْدَ دَارِ خَالِدِ بْنِ عُقْبَةَ الَّتِي فِي السُّوقِ فَجَاءَ رَجُلٌ يُرِيدُ أَنْ يُنَاجِيَهُ وَلَيْسَ مَعَ ابْنِ عُمَرَ أَحَدٌ غَيْرِي ‏,‏ فَدَعَا ابْنُ عُمَرَ رَجُلًا آخَرَ حَتَّى كُنَّا أَرْبَعَةً ‏,‏ فَقَالَ لِي وَلِلرَّجُلِ الثَّالِثِ الَّذِي دَعَا اسْتَأْخِرَا شَيْئًا فَإِنِّي سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ لَا يَتَنَاجَى اثْنَانِ دُونَ وَاحِدٍ فَإِنْ كَانُوا أَرْبَعَةً فَيَتَنَاجَى اثْنَانِ لَمْ يُكْرَهْ لِقِصَّةِ ابْنِ عُمَرَ وَأَمَّا أَنْ يَتَنَاجَى مِنْ الْأَرْبَعَةِ ثَلَاثَةٌ دُونَ وَاحِدٍ فَالْأَظْهَرُ الْكَرَاهَةُ ‏.‏

وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ فِي كَلَامِ الْحَجَّاوِيِّ رحمه الله مُسَامَحَةً فِي حَمْلِ كَلَامِ النَّاظِمِ عَلَى مَا حَمَلَهُ ‏,‏ وَهَلْ أَحَدٌ قَالَ‏:‏ إنَّ الْجَمْعَ اثْنَانِ فَقَطْ ‏,‏ وَإِنَّمَا قَالُوا أَقَلُّ الْجَمْعِ اثْنَانِ عَلَى مَذْهَبٍ وَهُوَ مَرْجُوحٌ ‏,‏ وَقَلِيلٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَا قَابَلَهُ مِنْ أَنَّ أَقَلَّ الْجَمْعِ ثَلَاثَةٌ ‏,‏ وَالْقُرْآنُ مَمْلُوءٌ بِذَلِكَ ‏.‏

وَأَمَّا كَوْنُ أَقَلِّ الْجَمْعِ اثْنَيْنِ إنَّمَا وَرَدَ فِي حَجْبِ الْأُمِّ مِنْ الثُّلُثِ إلَى السُّدُسِ ‏.‏

وَهَذَا الْجَمْعُ قَلِيلٌ جِدًّا فِي كَلَامِ الْعَرَبِ ‏,‏ لَكِنْ مَا أَحَدٌ قَالَ إنَّ الْجَمْعَ لَا يُطْلَقُ عَلَى الثَّلَاثَةِ فَأَكْثَرَ ‏.‏

وَصَاحِبُ الْآدَابِ الْكُبْرَى قَالَ مُرَادُهُمْ جَمَاعَةٌ دُونَ وَاحِدٍ ‏,‏ وَاسْتَشْهَدَ بِكَلَامِ النَّاظِمِ وَلَمْ يَذْكُرْ خِلَافَهُ ‏.‏

وَأَمَّا اسْتِدْلَالُ الْحَجَّاوِيِّ بِقَصِّهِ ابْنِ دِينَارٍ مَعَ ابْنِ عُمَرَ وَمُنَادَاتُهُ لِلرَّجُلِ الرَّابِعِ فَلَا دَلِيلَ لَهُ بِذَلِكَ ‏,‏ فَإِنَّ ظَاهِرَ كَلَامِ النَّاظِمِ مُشْعِرٌ بِذَلِكَ حَيْثُ قَيَّدَ انْفِرَادَ الَّذِي لَمْ يَدْخُلْ مَعَهُمَا أَوْ مَعَهُمْ فِي الْمُنَاجَاةِ ‏,‏ فَإِنَّ مَفْهُومَهُ مَتَى كَانَ مَعَهُ وَاحِدٌ فَأَكْثَرُ لَمْ يُكْرَهْ اخْتِصَاصُ بَعْضِ الْجَمْعِ بِالْمُنَاجَاةِ ‏,‏ وَهَذَا ظَاهِرٌ لَا غُبَارَ عَلَيْهِ وَهُوَ الْمَذْهَبُ بِلَا رَيْبٍ ‏,‏ وَإِنَّمَا الْمَكْرُوهُ انْفِرَادُ الْجَمْعِ بِالْمُنَاجَاةِ دُونَ وَاحِدٍ مُنْفَرِدٍ لَيْسَ مَعَهُ مَنْ يُنَاجِيهِ وَلَا يَسْتَأْنِسُ بِهِ ‏.‏

وَلَا سِيَّمَا إذَا كَانُوا فِي سَفَرٍ أَوْ مَوْضِعٍ مُخِيفٍ وَالْعِلَّةُ الَّتِي ذَكَرُوهَا فِي الِاثْنَيْنِ دُونَ الثَّالِثِ مَوْجُودَةٌ فِي الثَّلَاثِ فَأَكْثَرَ دُونَ وَاحِدٍ فَالْأَظْهَرُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ إبْقَاءُ كَلَامِ النَّاظِمِ عَلَى عُمُومِهِ ‏.‏

وَأَمَّا لَفْظُ الْحَدِيثِ فَهَذَا مَفْهُومُ عَدَدٍ وَقَدْ اخْتَلَفَ فِيهِ عُلَمَاءُ الْأُصُولِ هَلْ يَكُونُ مَفْهُومُهُ حُجَّةً أَوْ لَا الْأَكْثَرُ عَلَى أَنَّهُ لَا مَفْهُومَ لِلْعَدَدِ ‏.‏

وَأَيْضًا مُرَادُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ الثَّلَاثَةَ أَقَلُّ مَا يُمْكِنُ انْفِرَادُ اثْنَيْنِ دُونَ وَاحِدٍ هَذَا مَا ظَهَرَ لِي الْآنَ وَاَللَّهُ وَلِيُّ الْإِحْسَانِ ‏.‏

ثُمَّ رَأَيْتُ الْحَافِظَ ابْنَ حَجَرٍ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ صَرَّحَ بِمَا قُلْنَا ‏.‏

قَالَ وَقَدْ نَقَلَ ابْنُ بَطَّالٍ عَنْ أَشْهَبَ عَنْ مَالِكٍ قَالَ‏:‏ لَا يَتَنَاجَى ثَلَاثَةٌ دُونَ وَاحِدٍ وَلَا عَشْرَةٍ لِأَنَّهُ قَدْ نَهَى أَنْ يُتْرَكَ وَاحِدٌ ‏.‏

قَالَ وَهَذَا مُسْتَنْبَطٌ مِنْ حَدِيثِ الْبَابِ يَعْنِي حَدِيثَ ابْنِ مَسْعُودٍ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ ‏.‏

قَالَ لِأَنَّ الْمَعْنَى فِي تَرْكِ الْجَمَاعَةِ لِلْوَاحِدِ كَتَرْكِ الِاثْنَيْنِ لِلْوَاحِدِ ‏.‏

وَقَالَ الْمَازِرِيُّ وَمَنْ تَبِعَهُ‏:‏ لَا فَرْقَ فِي الْمَعْنَى بَيْنَ الِاثْنَيْنِ وَالْجَمَاعَةِ لِوُجُودِ الْمَعْنَى فِي حَقِّ الْوَاحِدِ ‏,‏ زَادَ الْقُرْطُبِيُّ‏:‏ بَلْ وُجُودُهُ فِي الْعَدَدِ الْكَثِيرِ أَمْكَنُ وَأَشَدُّ فَلْيَكُنْ الْمَنْعُ أَوْلَى ‏.‏

قَالَ وَإِنَّمَا خُصَّ الثَّلَاثَةُ بِالذِّكْرِ لِأَنَّهُ أَوَّلُ عَدَدٍ يُتَصَوَّرُ فِيهِ ذَلِكَ الْمَعْنَى ‏.‏

فَهُمَا وَجَدَا الْمَعْنَى فِيهِ أُلْحِقَ بِهِ فِي الْحُكْمِ ‏.‏

انْتَهَى ‏.‏

‏(‏الثَّالِثُ‏)‏ مَحَلُّ الْكَرَاهَةِ مَا لَمْ يَأْذَنْ الْوَاحِدُ الْمُنْفَرِدُ لِلْجَمْعِ فِي الْمُنَاجَاةِ ‏,‏ فَإِنْ أَذِنَ فَلَا كَرَاهَةَ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُ ‏.‏

قَالَهُ فِي الْآدَابِ عَنْ بَعْضِهِمْ ‏.‏

وَذُكِرَ النَّهْيُ عَنْ الْإِصْغَاءِ إلَى مَنْ يَتَحَدَّثُ سِرًّا بِدُونِ إذْنِهِ ‏.‏

قَالَ وَإِنْ كَانَ إذْنُهُ اسْتِحْيَاءً فَذَكَرَ صَاحِبُ النَّظْمِ يُكْرَهُ ‏.‏

وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ أَنَّ مَنْ أَعْطَى مَالًا حَيَاءً لَمْ يَجُزْ الْأَخْذُ ‏.‏

قَالَ فِي الرِّعَايَةِ وَهُوَ مَعْنَى مَا فِي الْفُصُولِ ‏.‏

انْتَهَى ‏.‏

وَيُتَّجَهُ مِثْلُهُ هُنَا أَنْ لَوْ أَذِنَ لَهُمْ فِي الْمُنَاجَاةِ حَيَاءً مِنْهُمْ بِأَنْ اسْتَأْذَنُوهُ فَأَذِنَ لَهُمْ عَلَى جِهَةِ الْحَيَاءِ كُرِهَ انْفِرَادُهُمْ عَنْهُ ‏,‏ وَلَا يَكُونُ هَذَا الْإِذْنُ مُنَافِيًا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ ‏.‏

 مطلب فِي كَرَاهَةِ الْجُلُوسِ وَالْإِصْغَاءِ إلَى مَنْ يَتَحَدَّثُ سِرًّا بِغَيْرِ إذْنِهِ

وَأَنْ يَجْلِسَ الْإِنْسَانُ عِنْدَ مُحَدِّثٍ بِسِرٍّ وَقِيلَ احظر وَإِنْ يَأْذَنْ اُقْعُدْ ‏(‏وَ‏)‏ يُكْرَهُ ‏(‏أَنْ يَجْلِسَ الْإِنْسَانُ‏)‏ أَيْ جُلُوسُهُ ‏,‏ وَالْمُرَادُ بِهِ الْوَاحِدُ مِنْ الْإِنْسَانِ الَّذِي هُوَ نَوْعُ الْعَالَمِ ‏,‏ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ تَقْدِيرُ الْإِنْسَانِ فِعْلَانِ وَإِنَّمَا زِيدَ فِي تَصْغِيرِهِ يَاءٌ كَمَا زِيدَ فِي تَصْغِيرِ رَجُلٍ وَاوٌ فَقِيلَ رُوَيْجِلٌ وَقَالَ قَوْمٌ أَصْلُهُ إنسيان فَحُذِفَتْ الْيَاءُ اسْتِخْفَافًا لِكَثْرَةِ مَا يَجْرِي عَلَى الْأَلْسِنَةِ فَإِذَا صَغَّرُوهُ رَدُّوهَا ‏,‏ وَاسْتَدَلُّوا عَلَيْهِ بِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما إنَّمَا سُمِّيَ الْإِنْسَانُ إنْسَانًا لِأَنَّهُ عُهِدَ إلَيْهِ فَنَسِيَ وَالْأُنَاسُ لُغَةٌ فِي النَّاسِ وَهُوَ الْأَصْلُ فَخُفِّفَ ‏.‏

قَالَ تَعَالَى ‏{‏لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ‏}‏ وَهُوَ اعْتِدَالُهُ وَتَسْوِيَةُ أَعْضَائِهِ لِأَنَّهُ خَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ مُنْكَبًّا عَلَى وَجْهِهِ ‏,‏ وَخَلَقَهُ سَوِيًّا أَوْ لَهُ لِسَانٌ زَلِقٌ ‏,‏ وَأَصَابِعُ يَقْبِضُ بِهَا ‏;‏ مُزَيَّنًا بِالْعَقْلِ مُؤَدَّبًا بِالْأَمْرِ ‏,‏ مُهَذَّبًا بِالتَّمْيِيزِ ‏,‏ يَتَنَاوَلُ مَأْكُولَهُ وَمَشْرُوبَهُ بِيَدِهِ قَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ‏:‏ لَيْسَ لِلَّهِ خَلْقٌ أَحْسَنُ مِنْ خَلْقِ الْإِنْسَانِ ‏,‏ فَإِنَّ اللَّهَ خَلَقَهُ حَيًّا عَالِمًا قَادِرًا مُتَكَلِّمًا سَمِيعًا بَصِيرًا مُدَبِّرًا حَكِيمًا ‏.‏

وَيُرْوَى أَنَّ مُوسَى بْنَ عِيسَى الْهَاشِمِيَّ كَانَ يُحِبُّ زَوْجَتَهُ حُبًّا شَدِيدًا ‏;‏ فَقَالَ لَهَا يَوْمًا أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إنَّ لَمْ تَكُونِي أَحْسَنَ مِنْ الْقَمَرِ ‏,‏ فَاحْتَجَبَتْ عَنْهُ وَقَالَتْ طُلِّقْت ‏,‏ وَبَاتَ بِلَيْلَةٍ عَظِيمَةٍ ‏,‏ فَلَمَّا أَصْبَحَ أَتَى الْمَنْصُورُ فَاسْتَحْضَرَ الْفُقَهَاءَ وَسَأَلَهُمْ فَأَجَابَ كُلُّهُمْ بِالطَّلَاقِ إلَّا وَاحِدًا فَقَالَ لَا تُطَلَّقُ ‏{‏لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ‏}‏ فَقَالَ الْمَنْصُورُ‏:‏ الْأَمْرُ كَمَا قَالَ ثُمَّ أَرْسَلَ إلَى زَوْجَتِهِ بِذَلِكَ ‏.‏

‏(‏عِنْدَ مُحَدِّثٍ‏)‏ لِغَيْرِهِ ‏(‏بِحَدِيثِ‏)‏ ‏(‏سِرٍّ‏)‏ لَمْ يُدْخِلَاهُ أَوْ يُدْخِلُوهُ إنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ اثْنَيْنِ فِي حَدِيثِهِمَا أَوْ حَدِيثِهِمْ ‏.‏

قَالَ فِي الرِّعَايَةِ‏:‏ وَأَنْ لَا يَدْخُلَ أَحَدٌ فِي سِرِّ قَوْمٍ لَمْ يُدْخِلُوهُ فِيهِ ‏,‏ وَالْجُلُوسُ وَالْإِصْغَاءُ إلَى مَنْ يَتَحَدَّثُ سِرًّا بِدُونِ إذْنِهِ ‏(‏وَقِيلَ احظر‏)‏ أَيْ امْنَعْ مَنْعَ تَحْرِيمٍ لَا كَرَاهَةٍ ‏,‏ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما ‏"‏ مَنْ تَحَلَّمَ بحلم لَمْ يَرَهُ كُلِّفَ أَنْ يَعْقِدَ بَيْنَ شَعِيرَتَيْنِ وَلَنْ يَفْعَلَ ‏,‏ وَمَنْ اسْتَمَعَ إلَى حَدِيثِ قَوْمٍ وَهُمْ لَهُ كَارِهُونَ صُبَّ فِي أُذُنَيْهِ الْآنُكُ ‏,‏ وَمَنْ صَوَّرَ صُورَةً عُذِّبَ وَكُلِّفَ أَنْ يَنْفُخَ فِيهِ الرُّوحَ وَلَيْسَ بِنَافِخٍ ‏"‏ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ ‏.‏

وَالْآنُكُ بِمَدِّ الْهَمْزَةِ وَضَمِّ النُّونِ هُوَ الرَّصَاصُ الْمُذَابُ ‏.‏

وَرَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي الْمُسْنَدِ عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ قَالَ رَأَيْت ابْنَ عُمَرَ يُنَاجِي رَجُلًا فَدَخَلَ رَجُلٌ بَيْنَهُمَا فَضَرَبَ صَدْرَهُ وَقَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ‏"‏ إذَا تَنَاجَى اثْنَانِ فَلَا يَدْخُلُ بَيْنَهُمَا الثَّالِثُ إلَّا بِإِذْنِهِمَا ‏.‏

وَبِالْكَرَاهَةِ جَزَمَ صَاحِبُ الْمُجَرَّدِ وَالْفُصُولِ ‏.‏

وَعِبَارَةُ الْآدَابِ الْكُبْرَى‏:‏ وَلَا يَجُوزُ الِاسْتِمَاعُ إلَى كَلَامِ قَوْمٍ يَتَشَاوَرُونَ وَيَجِبُ حِفْظُ سِرِّ مَنْ يَلْتَفِتُ فِي حَدِيثِهِ حَذَرًا مِنْ إشَاعَتِهِ لِأَنَّهُ كَالْمُسْتَوْدَعِ لِحَدِيثِهِ ‏.‏

انْتَهَى ‏.‏

وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى إفْشَاءِ السِّرِّ وَكِتْمَانِهِ فَظَاهِرُ عِبَارَتِهِ الْحُرْمَةُ وَهُوَ ظَاهِرٌ ‏,‏ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ‏.‏

وَالْمُسْتَمِعُ لِحَدِيثِ مَنْ يَتَنَاجَوْنَ أَحَدُ الثَّمَانِيَةِ الْمُسْتَحَقِّينَ لِلصَّفْعِ وَقَدْ جَمَعَهُمْ بَعْضُهُمْ فِي قَوْلِهِ‏:‏

 مطلب فِي النَّظْمِ الْجَامِعِ لِمَنْ يَسْتَحِقُّونَ الصَّفْعَ

قَدْ خُصَّ بِالصَّفْعِ فِي الدُّنْيَا ثَمَانِيَةٌ لَا لَوْمَ فِي وَاحِدٍ مِنْهُمْ إذَا صُفِعَا الْمُسْتَخِفُّ بِسُلْطَانٍ لَهُ خَطَرٌ وَدَاخِلٌ فِي حَدِيثِ اثْنَيْنِ قَدْ جُمِعَا وَآمِرٌ غَيْرَهُ فِي غَيْرِ مَنْزِلِهِ وَجَالِسٌ مَجْلِسًا عَنْ قَدْرِهِ ارْتَفَعَا وَمُتْحِفٌ بِحَدِيثٍ غَيْرِ حَافِظِهِ وَدَاخِلٌ بَيْتَ تَطْفِيلٍ بِغَيْرِ دُعَا وَقَارِئُ الْعِلْمِ مَعَ مَنْ لَا خَلَاقَ لَهُ وَطَالِبُ النَّصْرِ مِنْ أَعْدَائِهِ طَمَعَا ‏(‏وَأَنْ يَأْذَنَ‏)‏ الْمُحَدِّثُ لِغَيْرِهِ أَوْ كُلٌّ مِنْهُمَا أَوْ مِنْهُمْ ‏(‏اقعد‏)‏ أَمْرُ إبَاحَةٍ مِنْ الْقُعُودِ وَحُرِّكَ بِالْكَسْرِ لِلْقَافِيَّةِ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُ أَوْ لَهُمْ ‏,‏ وَلِمَفْهُومِ حَدِيثِ ‏"‏ لَا يَدْخُلُ بَيْنَهُمَا الثَّالِثُ إلَّا بِإِذْنِهِمَا ‏"‏ وَحَدِيثِ الْبُخَارِيِّ ‏"‏ وَمَنْ اسْتَمَعَ حَدِيثَ قَوْمٍ وَهُمْ لَهُ كَارِهُونَ ‏"‏ نَعَمْ إنْ عَلِمَ أَوْ ظَنَّ أَنَّهُ إنَّمَا أُذِنَ لَهُ حَيَاءً لَمْ يَقْعُدْ عَمَلًا بِقَرَائِنِ الْأَحْوَالِ ‏,‏ وَتَقَدَّمَ نَظِيرُهُ ‏,‏ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ‏.‏

 مطلب فِي النَّظَرِ إلَى الْأَمْرَدِ

وَيَحْرُمُ رَأْيُ الْمُرْدِ مَعَ شَهْوَةٍ فَقَطْ وَقِيلَ وَمَعْ خَوْفٍ وَلِلْكُرْهِ جَوِّدْ ‏(‏وَيَحْرُمُ رَأْيُ‏)‏ أَيْ النَّظَرُ فِي الْأَحْدَاثِ ‏(‏الْمُرْدُ‏)‏ جَمْعُ أَمْرَدَ وَهُوَ مَنْ لَمْ تَنْبُتْ لِحْيَتُهُ لِصِغَرِهِ بِأَنْ لَمْ يَأْتِ أَوَانُ نَبَاتِهَا لَا مَنْ فَاتَ أَوَانُ نَبَاتِهَا وَأَيِسَ مِنْهُ فَيُسَمَّى ثُظَا بِالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ لَا أَمْرَدَ ‏.‏

وَإِنَّمَا تَحْرُمُ رُؤْيَتُهُمْ ‏(‏مَعَ شَهْوَةٍ‏)‏ إلَيْهِمْ كَمَا فِي غَيْرِهِمْ مِنْ جَمِيعِ الْحَيَوَانَاتِ ‏.‏

وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْأَمْرَدِ وَذِي اللِّحْيَةِ وَالْبَهِيمَةِ وَإِنَّمَا قَصَدَ النَّاظِمُ التَّنْبِيهَ عَلَى عَدَمِ حُرْمَةِ النَّظَرِ إلَى الْأَمْرَدِ بِلَا شَهْوَةٍ كَمَا هُوَ رَأْيُ النَّوَوِيِّ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ وَبَعْضِ عُلَمَائِنَا ‏.‏

وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ‏:‏ مَنْ كَرَّرَ النَّظَرَ إلَى الْأَمْرَدِ الْجَمِيلِ وَزَعَمَ أَنَّهُ لَا يَشْتَهِي فَقَدْ كَذَبَ ‏.‏

فَلِذَا قَالَ ‏(‏فَقَطْ‏)‏ أَيْ لَا بِدُونِ شَهْوَةٍ ‏(‏وَقِيلَ‏)‏ يَحْرُمُ النَّظَرُ إلَيْهِمْ بِشَهْوَةٍ ‏(‏وَمَعَ خَوْفٍ‏)‏ لِلشَّهْوَةِ وَالْفِتْنَةِ بِهِ لِأَنَّ مَنْ حَامَ حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يَرْتَعَ فِيهِ ‏.‏

وَالْمُعْتَمَدُ عَدَمُ الْحُرْمَةِ ‏.‏

نَعَمْ يُكْرَهُ ذَلِكَ ‏.‏

وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ ‏(‏وَلِلْكُرْهِ‏)‏ أَيْ الْكَرَاهَةِ ‏(‏جَوِّدْ‏)‏ أَيْ قُلْ هُوَ فِقْهٌ جَيِّدٌ لِخَوْفِ الْوُقُوعِ فِي الْمَحْذُورِ ‏,‏ وَلَا تَقُلْ حَرَامٌ لِأَنَّهُ لَا يُعْلَمُ ‏,‏ فَهُوَ كَدُخُولِ الْحَمَّامِ مَعَ خَوْفِ الْوُقُوعِ فِي الْمُحَرَّمِ ‏,‏ فَإِنْ عَلِمَ حَرُمَ فِيمَا يَظْهَرُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ‏.‏

 مطلب فِي بَيَانِ ذَوِي الرَّحِمِ

الَّذِينَ يَجِبُ صِلَتُهُمْ وَمَعْلُومٌ أَنَّ الشَّرْعَ لَمْ يُرِدْ صِلَةَ كُلِّ رَحِمٍ وَقَرَابَةٍ ‏,‏ إذْ لَوْ كَانَ ذَلِكَ لَوَجَبَ صِلَةُ جَمِيعِ بَنِي آدَمَ ‏,‏ فَلَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِنْ ضَبْطِ ذَلِكَ بِقَرَابَةٍ تَجِبُ صِلَتُهَا وَإِكْرَامُهَا وَيَحْرُمُ قَطْعُهَا ‏,‏ وَتِلْكَ قَرَابَةُ الرَّحِمِ الْمُحَرَّمِ ‏.‏

وَقَدْ نَصَّ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم ‏"‏ لَا تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ عَلَى عَمَّتِهَا وَلَا عَلَى خَالَتِهَا وَلَا عَلَى بِنْتِ أَخِيهَا وَأُخْتِهَا فَإِنَّكُمْ إذَا فَعَلْتُمْ ذَلِكَ قَطَعْتُمْ أَرْحَامَكُمْ ‏"‏ قَالَ الْإِمَامُ ابْنُ مُفْلِحٍ فِي آدَابِهِ الْكُبْرَى‏:‏ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ أَبُو الْخَطَّابِ مِنْ أَنَّهُ لَا تَجِبُ إلَّا صِلَةُ الرَّحِمِ الْمُحَرَّمِ اخْتَارَهُ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ ‏.‏

وَنَصَّ الْإِمَامُ أَحْمَدُ‏:‏ تَجِبُ صِلَةُ الرَّحِمِ مَحْرَمًا كَانَ أَوْ لَا ‏.‏

وَظَاهِرُ كَلَامِ أَبِي الْخَطَّابِ لَا يَكْفِي فِي صِلَةِ الرَّحِمِ مُجَرَّدُ السَّلَامِ ‏.‏

وَكَلَامُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ ظَاهِرُهُ الِاكْتِفَاءُ ‏.‏

قَالَ مُثَنَّى‏:‏ قُلْت لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ الرَّجُلُ يَكُونُ لَهُ الْقَرَابَةُ مِنْ النِّسَاءِ فَلَا يَقُومُونَ بَيْنَ يَدَيْهِ فَأَيُّ شَيْءٍ يَجِبُ عَلَيْهِ مِنْ بِرِّهِمْ وَفِي كَمْ يَنْبَغِي أَنْ يَأْتِيَهُمْ‏؟‏ قَالَ اللُّطْفُ وَالسَّلَامُ ‏.‏

وَفِي الْحَدِيثِ ‏"‏ بُلُّوا أَرْحَامَكُمْ وَلَوْ بِالسَّلَامِ ‏"‏ رَوَاهُ الْبَزَّارُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا وَالطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي الطُّفَيْلِ وَالْبَيْهَقِيِّ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ رضي الله عنهم ‏.‏

وَقَالَ الْفَضْلُ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ‏:‏ رَجُلٌ لَهُ إخْوَةٌ وَأَخَوَاتٌ بِأَرْضِ غَصْبٍ تَرَى أَنْ يَزُورَهُمْ‏؟‏ قَالَ نَعَمْ يَزُورُهُمْ وَيُرَاوِدُهُمْ عَلَى الْخُرُوجِ مِنْهَا ‏,‏ فَإِنْ أَجَابُوا إلَى ذَلِكَ وَإِلَّا لَمْ يُقِمْ مَعَهُمْ وَلَا يَدَعُ زِيَارَتَهُمْ ‏.‏

‏(‏الثَّانِي‏)‏ الرَّحِمُ بِوَزْنِ كَتِفٍ وَفِيهِ اللُّغَاتُ الْأَرْبَعُ فِي الْفَخِذِ ‏,‏ وَهِيَ فَتْحُ الرَّاءِ وَكَسْرُ الْحَاءِ وَكَسْرُ الرَّاءِ بِوَزْنِ إبِلٍ وَيَجُوزُ إسْكَانُ الْحَاءِ مَعَ فَتْحِ الرَّاءِ وَكَسْرِهَا قَالَ ابْنُ سِيدَهْ وَغَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ‏:‏ وَهَذِهِ اللُّغَاتُ الْأَرْبَعَةُ جَائِزَةٌ فِي كُلِّ اسْمٍ أَوْ فِعْلٍ ثُلَاثِيٍّ عَيْنُهُ حَرْفُ حَلْقٍ مَكْسُورٍ كَشَهِدَ لَا فِيمَا لَامُهُ حَرْفُ حَلْقٍ كَبَلُغَ أَوْ كَانَ حَرْفَ الْحَلْقِ فَاؤُهُ كَحَرَفَ ‏.‏

قَالَ ابْنُ عَبَّادٍ‏:‏ وَهُوَ بَيْتُ مَنْبَتِ الْوَلَدِ وَوِعَاؤُهُ فِي الْبَطْنِ ‏.‏

وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ رَحِمُ الْأُنْثَى وَهِيَ مُؤَنَّثَةٌ ‏,‏ وَالرَّحِمُ الْقَرَابَةُ قَالَ صَاحِبُ الْمَطَالِعِ‏:‏ يُقَالُ رَحِمَ وَرَحُمَ وَهِيَ مَعْنَى مِنْ الْمَعَانِي وَهِيَ النَّسَبُ وَالِاتِّصَالُ الَّذِي يَجْمَعُ رَحِمَ وَالِدِهِ فَسُمِّيَ الْمَعْنَى بِاسْمِ ذَلِكَ الْمَحَلِّ تَقْرِيبًا لِلْأَفْهَامِ ‏,‏ وَاسْتِعَارَةً جَارِيَةً فِي فَصِيحِ الْكَلَامِ ‏,‏ لِيَفْهَمَ الْخَلْقُ عَظِيمَ حَقِّهَا ‏,‏ وَوُجُوبَ صِلَةِ الْمُتَّصِفِينَ بِهَا ‏,‏ وَعَظِيمَ الْإِثْمِ فِي قَطْعِهَا ‏,‏ وَبِذَلِكَ سُمِّيَ قَطِيعًا لِأَنَّهُ قَطَعَ تِلْكَ الصِّلَةَ ‏.‏

انْتَهَى ‏.‏

وَفِي الْقَامُوسِ‏:‏ الرَّحِمُ بِالْكَسْرِ وَكَكَتِفٍ بَيْتِ مَنْبَتِ الْوَلَدِ وَوِعَاؤُهُ وَالْقَرَابَةُ أَوْ أَصْلُهَا وَأَسْبَابُهَا جَمْعُهَا أَرْحَامٌ ‏.‏

انْتَهَى ‏.‏

قَالَ فِي الْمَطْلَعِ يُطْلَقُ ذُو الرَّحِمِ عَلَى كُلِّ قَرَابَةٍ وَعَلَى مَنْ لَيْسَ بِذِي فَرْضٍ وَلَا عَصَبَةٍ انْتَهَى ‏.‏

وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ‏.‏

 مطلب قَطِيعَةُ الرَّحِمِ مِنْ الْكَبَائِرِ

‏(‏الثَّالِثُ‏)‏ قَطِيعَةُ الرَّحِمِ مِنْ الْكَبَائِرِ ‏.‏

وَقَدْ ذَكَرَهَا الْحَجَّاوِيُّ فِي مَنْظُومَتِهِ الْمُشْتَمِلَةِ عَلَى الْكَبَائِرِ الْوَاقِعَةِ فِي إقْنَاعِهِ ‏,‏ وَقَدْ شرحتها شَرْحًا لَطِيفَ الْحَجْمِ ‏,‏ غَزِيرَ الْفَوَائِدِ وَالْعِلْمِ ‏.‏

قَالَ فِيهَا‏:‏ وَأَمْنٌ لِمَكْرِ اللَّهِ ثُمَّ قَطِيعَةٌ لِذِي رَحِمٍ وَالْكِبْرَ وَالْخُيَلَا اُعْدُدْ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى فَهَلْ عَسَيْتُمْ إنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ ‏.‏

أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمْ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ وَتَقَدَّمَ كَلَامُ الْبَلْبَانِيِّ فِي ذَلِكَ ‏.‏

وَأَخْرَجَ الْإِمَامُ بِسَنَدٍ رُوَاتُهُ ثِقَاتٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ ‏"‏ إنَّ أَعْمَالَ بَنِي آدَمَ تُعْرَضُ كُلَّ خَمِيسٍ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ فَلَا يُقْبَلُ عَمَلُ قَاطِعِ رَحِمٍ ‏"‏ ‏.‏

وَرَوَى ابْنُ حِبَّانَ وَغَيْرُهُ عَنْ أَبِي مُوسَى رضي الله عنه مَرْفُوعًا ‏"‏ ثَلَاثَةٌ لَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ‏:‏ مُدْمِنُ الْخَمْرِ ‏,‏ وَقَاطِعُ الرَّحِمِ ‏,‏ وَمُصَدِّقٌ بِالسِّحْرِ ‏"‏ ‏.‏

وَأَخْرَجَ الشَّيْخَانِ وَالتِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُمْ عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ رضي الله عنه أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ ‏"‏ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ قَاطِعٌ ‏"‏ قَالَ سُفْيَانُ يَعْنِي قَاطِعَ رَحِمٍ ‏.‏

وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ عَنْ الْأَعْمَشِ قَالَ‏:‏ كَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ جَالِسًا بَعْدَ الصُّبْحِ فِي حَلْقَةٍ فَقَالَ ‏"‏ أَنْشُدُ اللَّهَ قَاطِعَ رَحِمٍ لَمَّا قَامَ عَنَّا فَإِنَّا نُرِيدُ أَنْ نَدْعُوَ رَبَّنَا وَإِنَّ أَبْوَابَ السَّمَاءِ مُرْتَجَةٌ دُونَ قَاطِعِ رَحِمٍ ‏.‏

وَالْمُرْتَجَةُ بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ التَّاءِ الْمُثَنَّاةِ فَوْقَ وَتَخْفِيفِ الْجِيمِ الْمُغْلَقَةِ ‏.‏

وَوَرَدَ فِي عِدَّةِ أَخْبَارٍ أَنَّ الرَّحْمَةَ لَا تَنْزِلُ عَلَى قَوْمٍ فِيهِمْ قَاطِعُ رَحِمٍ ‏,‏ وَأَنَّ الْمَلَائِكَةَ لَا تَنْزِلُ عَلَى قَوْمٍ فِيهِمْ قَاطِعُ رَحِمٍ ‏.‏

قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ‏:‏ قَالَ الطِّيبِيُّ‏:‏ يُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ بِالْقَوْمِ الَّذِينَ يُسَاعِدُونَهُ عَلَى قَطِيعَةِ الرَّحِمِ وَلَا يُنْكِرُونَ عَلَيْهِ ‏.‏

وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ بِالرَّحْمَةِ الْمَطَرُ ‏,‏ وَأَنَّهُ يُحْبَسُ عَنْ النَّاسِ عُمُومًا بِشُؤْمِ التَّقَاطُعِ ‏.‏

انْتَهَى ‏.‏

قُلْت‏:‏ وَظَاهِرُ صَنِيعِ ابْنِ مَسْعُودٍ يَدُلُّ عَلَى رَحْمَةٍ أَخَصَّ مِنْ الْمَطَرِ ‏,‏ وَعَلَى عُمُومِ مَنْ حَضَرَ الْمَجْلِسَ الَّذِي فِيهِ قَاطِعُ رَحِمٍ كَمَا يَظْهَرُ بِالتَّأَمُّلِ ‏.‏

 مطلب فِي جَوَابِ الْعُلَمَاءِ عَنْ كَيْفِيَّةِ بَسْطِ الرِّزْقِ وَتَأْخِيرِ الْأَجَلِ

‏(‏فَوَائِدُ‏:‏ الْأُولَى‏)‏ تَقَدَّمَ فِي الْأَحَادِيثِ أَنَّ صِلَةَ الرَّحِمِ تَبْسُطُ الرِّزْقَ وَتَنْسَأُ فِي الْأَجَلِ ‏,‏ قَالَ النَّوَوِيُّ رحمه الله تعالى فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ‏:‏ بَسْطُ الرِّزْقِ بِتَوْسِيعِهِ وَكَثْرَتِهِ وَقِيلَ بِالْبَرَكَةِ فِيهِ ‏,‏ وَأَمَّا التَّأْخِيرُ فِي الْأَجَلِ فَفِيهِ سُؤَالٌ مَشْهُورٌ ‏,‏ وَهُوَ أَنَّ الْآجَالَ وَالْأَرْزَاقَ مُقَدَّرَةٌ لَا تَزِيدُ وَلَا تَنْقُصُ ‏{‏فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ‏}‏ وَأَجَابَ الْعُلَمَاءُ بِأَجْوِبَةٍ ‏,‏ مِنْهَا وَهُوَ أَصَحُّهَا أَنَّ هَذِهِ الزِّيَادَةَ بِالْبَرَكَةِ فِي عُمْرِهِ وَالتَّوْفِيقِ لِلطَّاعَاتِ ‏,‏ وَعِمَارَةِ أَوْقَاتِهِ بِمَا يَنْفَعُهُ فِي الْآخِرَةِ وَصِيَانَتِهَا عَنْ الضَّيَاعِ فِي غَيْرِ ذَلِكَ ‏,‏ أَوْ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَا يَظْهَرُ لِلْمَلَائِكَةِ فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ وَنَحْوِهِ ‏,‏ فَيَظْهَرُ لَهُمْ أَنَّ عُمْرَهُ سِتُّونَ سَنَةً مَثَلًا إلَى أَنْ يَصِلَ رَحِمَهُ ‏,‏ فَإِنْ وَصَلَهَا يُزَادُ لَهُ أَرْبَعُونَ وَقَدْ عَلِمَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى مَا سَيَقَعُ لَهُ مِنْ ذَلِكَ وَهُوَ مِنْ مَعْنَى قَوْلِهِ ‏{‏يَمْحُو اللّهُ مَا يَشَاء وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ‏}‏ وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ إلَى عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى وَمَا سَبَقَ بِهِ قَدَرُهُ فَلَا زِيَادَةَ بَلْ هِيَ مُسْتَحِيلَةٌ ‏.‏

وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ إلَى مَا ظَهَرَ لِلْمَخْلُوقِينَ فَتَنْعَقِدُ الزِّيَادَةُ وَهُوَ مُرَادُ الْحَدِيثِ ‏.‏

انْتَهِي ‏.‏

ثُمَّ إنَّ النَّاظِمَ رحمه الله تعالى حَثَّ عَلَى عُمُومِ تَحْسِينِ الْأَخْلَاقِ ‏,‏ وَخَصَّ الْوَالِدَيْنِ بِالْمَزِيَّةِ الَّتِي وَقَعَ عَلَيْهَا الِاتِّفَاقُ ‏,‏ فَقَالَ‏:‏

 مطلب فِي بَيَانِ حُسْنِ الْخُلُقِ

وَيَحْسُنُ تَحْسِينٌ لِخُلْقٍ وَصُحْبَةٍ وَلَا سِيَّمَا لِلْوَلَدِ الْمُتَأَكِّدِ ‏(‏وَيَحْسُنُ‏)‏ أَيْ يَجْمُلُ وَيُلَائِمُ ‏,‏ وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا يَشْرَعُ لِأَنَّهُ تَارَةً يَكُونُ وَاجِبًا وَأُخْرَى مَنْدُوبًا ‏.‏

وَأَصْلُ الْحُسْنِ بِضَمِّ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ الْجَمَالُ وَضِدُّهُ الْقُبْحُ وَهُمَا لِلشَّيْءِ بِمَعْنَى مُلَاءَمَةِ الطَّبْعِ وَمُنَافَرَتِهِ كَحُسْنِ الْحُلْوِ وَقُبْحِ الْمُرِّ ‏,‏ فَالْحُسْنُ صِفَةُ الْكَمَالِ وَالْقُبْحُ صِفَةُ النَّقْصِ ‏,‏ كَحُسْنِ الْعِلْمِ وَقُبْحِ الْجَهْلِ وَذَلِكَ عَقْلِيٌّ ‏.‏

وَأَمَّا تَرَتُّبُ الْمَدْحِ وَالذَّمِّ عَاجِلًا وَالثَّوَابُ وَالْعِقَابُ آجِلًا كَحُسْنِ الطَّاعَةِ وَقُبْحِ الْمَعْصِيَةِ فَشَرْعِيٌّ فَلَا يَحْكُمُ بِهِ إلَّا الشَّرْعُ الْمَبْعُوثُ بِهِ الرُّسُلُ عليهم الصلاة والسلام ‏(‏تَحْسِينٌ لِخُلْقٍ‏)‏ حُسْنُ الْخُلُقِ هُوَ الْقِيَامُ بِحُقُوقِ الْمُسْلِمِينَ ‏.‏

وَالْخُلُقُ صُورَةُ الْإِنْسَانِ الْبَاطِنَةِ ‏.‏

قَالَ فِي الْقَامُوسِ‏:‏ الْخُلُقُ بِالضَّمِّ وَبِضَمَّتَيْنِ السَّجِيَّةُ وَالطَّبْعُ وَالْمُرُوءَةُ وَالدِّينُ ‏,‏ وَمِثْلُهُ فِي الْمَطَالِعِ ‏.‏

وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ‏:‏ الْخُلُقُ وَالْخُلْقُ السَّجِيَّةُ ‏,‏ وَفُلَانٌ يَتَخَلَّقُ بِغَيْرِ خُلُقِهِ أَيْ يَتَكَلَّفُ ‏.‏

قَالَ الشَّاعِرُ‏:‏ يَا أَيُّهَا الْمُتَحَلِّي غَيْرَ شِيمَتِهِ إنَّ التَّخَلُّقَ يَأْتِي دُونَهُ الْخُلُقُ وَفِي النِّهَايَةِ‏:‏ الْخُلُقُ بِضَمِّ اللَّامِ وَسُكُونِهَا الدِّينُ وَالطَّبْعُ وَالسَّجِيَّةُ ‏,‏ وَحَقِيقَتُهُ أَنَّهُ صُورَةُ الْإِنْسَانِ الْبَاطِنَةِ وَهِيَ نَفْسُهُ ‏,‏ وَأَوْصَافُهَا وَمَعَانِيهَا الْمُخْتَصَّةُ بِهَا بِمَنْزِلَةِ الْخُلُقِ لِصُورَتِهِ الظَّاهِرَةِ وَأَوْصَافِهَا وَمَعَانِيهَا ‏,‏ وَلَهَا أَوْصَافٌ حَسَنَةٌ وَقَبِيحَةٌ ‏.‏

وَالثَّوَابُ وَالْعِقَابُ يَتَعَلَّقَانِ بِأَوْصَافِ الصُّورَةِ الْبَاطِنَةِ أَكْثَرَ مَا يَتَعَلَّقَانِ بِأَوْصَافِ الصُّورَةِ الظَّاهِرَةِ ‏,‏ وَلِذَا تَكَرَّرَتْ الْأَحَادِيثُ فِي مَدْحِ حُسْنِ الْخُلُقِ وَذَمِّ سُوئِهِ ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ يَحْسُنُ تَحْسِينٌ ‏(‏لِصُحْبَةٍ‏)‏ مَنْ يَصْحَبُهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ ‏,‏ فَإِنَّ ذَلِكَ رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ الدِّينِ ‏.‏

فَإِنَّ مَعْنَى الدِّينِ سَفَرٌ إلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ‏.‏

وَمِنْ أَرْكَانِ السَّفَرِ حُسْنُ الصُّحْبَةِ فِي مَنَازِلِ السَّفَرِ مَعَ الْمُسَافِرِينَ ‏.‏

وَالْخَلْقُ كُلُّهُمْ مُسَافِرُونَ يَسِيرُ بِهِمْ الْعُمْرُ سَيْرَ السَّفِينَةِ بِرَاكِبِهَا فِي الْبَحْرِ ‏.‏

وَأَقَلُّ دَرَجَاتِ حُسْنِ الصُّحْبَةِ كَفُّ الْأَذَى عَنْهُمْ ‏,‏ وَهَذَا وَاجِبٌ ‏.‏

وَفِي الْحَدِيثِ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ‏"‏ الْمُؤْمِنُ مَنْ أَمِنَهُ النَّاسُ ‏,‏ وَالْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ ‏,‏ وَالْمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ السُّوءَ وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ عَبْدٌ لَا يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ ‏"‏ ‏.‏

رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَأَبُو يُعْلَى وَالْبَزَّارُ وَإِسْنَادُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ جَيِّدٌ ‏.‏

وَفَوْقَ ذَلِكَ أَنْ يَنْفَعَهُمْ وَيُحْسِنَ إلَيْهِمْ ‏.‏

وَأَعْلَى مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَحْتَمِلَ الْأَذَى مِنْهُمْ ‏,‏ وَيُحْسِنَ مَعَ ذَلِكَ إلَيْهِمْ ‏,‏ وَهَذِهِ دَرَجَةُ الصِّدِّيقِينَ ‏.‏

وَمِنْ كَلَامِ الْحُكَمَاءِ‏:‏ مَنْ أَحْسَنَ إلَى مَنْ أَسَاءَ إلَيْهِ فَقَدْ أَخْلَصَ لِلَّهِ شُكْرًا ‏,‏ وَمَنْ أَسَاءَ إلَى مَنْ أَحْسَنَ إلَيْهِ فَقَدْ اسْتَبْدَلَ نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْرًا ‏.‏

وَقَدْ سُئِلَ سَيِّدُنَا الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ حُسْنِ الْخُلُقِ فَقَالَ أَنْ لَا تَغْضَبَ وَلَا تَحْقِدَ ‏.‏

وَعَنْهُ أَنَّهُ قَالَ‏:‏ حُسْنُ الْخُلُقِ أَنْ تَحْتَمِلَ مَا يَكُونُ مِنْ النَّاسِ ‏.‏

وَقَالَ الْحَسَنُ‏:‏ حُسْنُ الْخُلُقِ الْكَرَمُ وَالْبِذْلَةُ وَالِاحْتِمَالُ ‏.‏

وَعَنْ الشَّعْبِيِّ‏:‏ الْبِذْلَةُ وَالْعَطِيَّةُ وَالْبِشْرُ الْحُسْنُ ‏.‏

وَكَانَ الشَّعْبِيُّ كَذَلِكَ ‏.‏

وَعَنْ ابْنِ الْمُبَارَكِ‏:‏ بَسْطُ الْوَجْهِ وَبَذْلُ الْمَعْرُوفِ وَكَفُّ الْأَذَى ‏.‏

وَسُئِلَ سَلَّامُ بْنُ مُطِيعٍ عَنْ حُسْنِ الْخُلُقِ فَأَنْشَدَ قَوْلَ الشَّاعِرِ‏:‏ تَرَاهُ إذَا مَا جِئْتَهُ مُتَهَلِّلًا كَأَنَّك تُعْطِيهِ الَّذِي أَنْتَ سَائِلُهُ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِي كَفِّهِ غَيْرُ رُوحِهِ لَجَادَ بِهَا فَلْيَتَّقِ اللَّهَ سَائِلُهُ هُوَ الْبَحْرُ مِنْ أَيِّ النَّوَاحِي أَتَيْتَهُ فَلُجَّتُهُ الْمَعْرُوفُ وَالْبَحْرُ سَاحِلُهُ ‏.‏

 مطلب فِي الْآثَارِ الْوَارِدَةِ فِي حُسْنِ الْخُلُقِ

وَقَدْ وَرَدَ فِي مَدْحِ حُسْنِ الْخُلُقِ وَذَمِّ سُوءِ الْخُلُقِ عِدَّةُ أَحَادِيثَ سَنَذْكُرُ مِنْهَا طَرَفًا صَالِحًا ‏.‏

وَكَانَ نِهَايَةُ هَذَا الْعَالَمِ فِي حُسْنِ الْخُلُقِ نَبِيَّهُ الْمُصْطَفَى صلى الله عليه وسلم ‏.‏

وَلِذَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي حَقِّهِ ‏{‏وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ‏}‏ فَمَا بَالُكَ بِمَا يَسْتَعْظِمُهُ الْحَقُّ جَلَّ شَأْنُهُ ‏.‏

وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها ‏,‏ أَنَّهَا سُئِلَتْ عَنْ خُلُقِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ ‏"‏ كَانَ خُلُقُهُ الْقُرْآنَ ‏"‏ أَيْ كَانَ مُتَمَسِّكًا بِآدَابِهِ وَأَوَامِرِهِ وَنَوَاهِيهِ وَمَا يَشْتَمِلُ عَلَيْهِ مِنْ مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ وَمَحَاسِنِ الْأُمُورِ صلى الله عليه وسلم ‏.‏

وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ عَنْ النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ رضي الله عنه قَالَ ‏"‏ سَأَلْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ الْبِرِّ وَالْإِثْمِ ‏,‏ فَقَالَ الْبِرُّ حُسْنُ الْخُلُقِ ‏,‏ وَالْإِثْمُ مَا حَاكَ فِي صَدْرِك وَكَرِهْت أَنْ يَطَّلِعَ عَلَيْهِ النَّاسُ ‏"‏ ‏.‏

وَفِي الصَّحِيحَيْنِ وَالتِّرْمِذِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي الله عنهما قَالَ ‏"‏ لَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَاحِشًا وَلَا مُتَفَحِّشًا ‏,‏ وَكَانَ يَقُولُ إنَّ مِنْ خِيَارِكُمْ أَحْسَنَكُمْ أَخْلَاقًا ‏"‏ ‏.‏

وَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ ‏"‏ مَا شَيْءٌ أَثْقَلُ فِي مِيزَانِ الْمُؤْمِنِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ خُلُقٍ حَسَنٍ ‏,‏ وَإِنَّ اللَّهَ يُبْغِضُ الْفَاحِشَ الْبَذِيَّ ‏"‏ قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَزَادَ فِي رِوَايَةٍ لَهُ ‏"‏ وَإِنَّ صَاحِبَ حُسْنِ الْخُلُقِ لَيَبْلُغُ بِهِ دَرَجَةَ صَاحِبِ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ ‏"‏ ‏.‏

وَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الزُّهْدِ وَغَيْرُهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ ‏"‏ سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ أَكْثَرِ مَا يُدْخِلُ النَّاسَ الْجَنَّةَ ‏,‏ فَقَالَ تَقْوَى اللَّهِ وَحُسْنُ الْخُلُقِ ‏.‏

وَسُئِلَ عَنْ أَكْثَرِ مَا يُدْخِلُ النَّاسَ النَّارَ فَقَالَ الْفَمُ وَالْفَرْجُ ‏"‏ ‏.‏

وَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ‏"‏ إنَّ مِنْ أَكْمَلِ الْمُؤْمِنِينَ إيمَانًا أَحْسَنَهُمْ خُلُقًا ‏,‏ وَأَلْطَفَهُمْ بِأَهْلِهِ ‏"‏ ‏.‏

وَعَنْهَا رضي الله عنها سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ ‏"‏ إنَّ الْمُؤْمِنَ لِيُدْرِكَ بِحُسْنِ خُلُقِهِ دَرَجَةَ الصَّائِمِ الْقَائِمِ ‏"‏ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَالْحَاكِمُ وَقَالَ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِهِمَا وَلَفْظُهُ ‏"‏ إنَّ الْمُؤْمِنَ لِيُدْرِكَ بِحُسْنِ الْخُلُقِ دَرَجَاتِ قَائِمِ اللَّيْلِ وَصَائِمِ النَّهَارِ ‏"‏ وَفِي هَذَا الْمَعْنَى عِدَّةُ أَحَادِيثَ ‏.‏

وَفِي رِوَايَةٍ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ مَرْفُوعًا ‏"‏ أَنَّ الْعَبْدَ لِيَبْلُغَ بِحُسْنِ خُلُقِهِ عَظِيمَ دَرَجَاتِ الْآخِرَةِ وَشَرَفِ الْمَنَازِلِ وَإِنَّهُ لَضَعِيفُ الْعِبَادَةِ ‏.‏

وَإِنَّهُ لَيَبْلُغُ بِسُوءِ خُلُقِهِ أَسْفَلَ دَرَجَةٍ فِي جَهَنَّمَ ‏"‏ ‏.‏

وَقَالَ صلى الله عليه وسلم ‏"‏ لَا عَقْلَ كَالتَّدْبِيرِ ‏,‏ وَلَا وَرَعَ كَالْكَفِّ ‏,‏ وَلَا حَسَبَ كَحُسْنِ الْخُلُقِ ‏"‏ رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ ‏.‏

وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ الْمَرُّوذِيُّ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ مُرْسَلًا عَنْ الْعَلِيِّ بْنِ الشِّخِّيرِ ‏"‏ أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم مِنْ قِبَلِ وَجْهِهِ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ الْعَمَلِ أَفْضَلُ‏؟‏ قَالَ حُسْنُ الْخُلُقِ ‏,‏ ثُمَّ أَتَاهُ عَنْ يَمِينِهِ فَقَالَ أَيُّ الْعَمَلِ أَفْضَلُ‏؟‏ قَالَ حُسْنُ الْخُلُقِ ‏,‏ ثُمَّ أَتَاهُ عَنْ شِمَالِهِ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ الْعَمَلِ أَفْضَلُ‏؟‏ قَالَ حُسْنُ الْخُلُقِ ‏,‏ ثُمَّ أَتَاهُ مِنْ بَعْدِهِ يَعْنِي مِنْ خَلْفِهِ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ الْعَمَلِ أَفْضَلُ‏؟‏ فَالْتَفَتَ إلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ مَالَك لَا تَفْقَهُ‏؟‏ ‏!‏‏:‏ حُسْنُ الْخُلُقِ ‏,‏ وَهُوَ أَنْ لَا تَغْضَبَ إنْ اسْتَطَعْت ‏"‏ ‏.‏

وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ وَابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رضي الله عنه ‏"‏ أَنَا زَعِيمٌ بِبَيْتٍ فِي أَعْلَى الْجَنَّةِ لِمَنْ حَسُنَ خُلُقُهُ ‏"‏ ‏.‏

وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعًا ‏"‏ مِنْ أَحَبِّكُمْ إلَيَّ وَأَقْرَبِكُمْ مِنِّي مَجْلِسًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَحْسَنُكُمْ أَخْلَاقًا ‏"‏ الْحَدِيثَ ‏.‏

وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ وَالْأَوْسَطِ عَنْ عَمَّارٍ رضي الله عنه مَرْفُوعًا ‏"‏ حُسْنُ الْخُلُقِ خُلُقُ اللَّهِ الْأَعْظَمِ ‏"‏ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ ‏.‏

وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ عَنْ جَابِرٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ جِبْرِيلَ عليه السلام عَنْ اللَّهِ تَعَالَى قَالَ ‏"‏ إنَّ هَذَا دِينٌ ارْتَضَيْتُهُ لِنَفْسِي وَلَنْ يَصْلُحَ لَهُ إلَّا لِلسَّخَاءِ وَحُسْنِ الْخُلُقِ فَأَكْرِمُوهُ بِهِمَا مَا صَحِبْتُمُوهُ ‏"‏ ‏.‏

وَرَوَى فِي الْأَوْسَط أَيْضًا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه مَرْفُوعًا ‏"‏ أَوْحَى اللَّهُ إلَى إبْرَاهِيمَ يَا خَلِيلِي حَسِّنْ خُلُقَك وَلَوْ مَعَ الْكُفَّارِ تَدْخُلُ مَدْخَلَ الْأَبْرَارِ ‏.‏

وَإِنَّ كَلِمَتِي سَبَقَتْ لِمَنْ حَسُنَ خُلُقُهُ أَنْ أُظِلَّهُ تَحْتَ عَرْشِي وَأَنْ أَسْقِيَهُ مِنْ حَظِيرَةِ قُدُسِي وَأَنْ أُدْنِيهِ مِنْ جِوَارِي ‏"‏ ‏.‏

وَرُوِيَ عَنْهُ أَيْضًا مَرْفُوعًا ‏"‏ مَا حَسَّنَ اللَّهُ خَلْقَ رَجُلٍ وَخُلُقَهُ فَيُطْعِمَهُ النَّارَ أَبَدًا ‏"‏ ضَعَّفَهُ الْمُنْذِرِيُّ وَغَيْرُهُ ‏.‏

وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا وَالطَّبَرَانِيُّ وَالْبَزَّارُ وَأَبُو يَعْلَى بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ رُوَاتُهُ ثِقَاتٌ وَاللَّفْظُ لَهُ عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ ‏"‏ لَقِيَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَبَا ذَرٍّ فَقَالَ يَا أَبَا ذَرٍّ أَلَا أَدُلُّكَ عَلَى خَصْلَتَيْنِ هُمَا أَخَفُّ عَلَى الظَّهْرِ وَأَثْقَلُ فِي الْمِيزَانِ مِنْ غَيْرِهِمَا‏؟‏ قَالَ بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ ‏,‏ قَالَ عَلَيْك بِحُسْنِ الْخُلُقِ وَطُولِ الصَّمْتِ ‏,‏ فَوَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا عَمِلَ الْخَلَائِقُ بِمِثْلِهِمَا ‏"‏ وَفِي لَفْظٍ عِنْدَ أَبِي الشَّيْخِ بْنِ حَيَّانَ ‏"‏ يَا أَبَا ذَرٍّ أَلَا أَدُلُّك عَلَى أَفْضَلِ الْعِبَادَةِ وَأَخَفِّهَا عَلَى الْبَدَنِ وَأَثْقَلِهَا فِي الْمِيزَانِ وَأَهْوَنِهَا عَلَى اللِّسَانِ‏؟‏ فَقُلْت بَلَى فِدَاك أَبِي وَأُمِّي ‏,‏ قَالَ عَلَيْك بِطُولِ الصَّمْتِ وَحُسْنِ الْخُلُقِ فَإِنَّك لَسْتَ بِعَامِلٍ بِمِثْلِهِمَا ‏"‏ رَوَاهُ بِنَحْوِهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي الدَّرْدَاءِ وَأَخْرَجَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ بِسَنَدٍ جَيِّدٍ رُوَاتُهُ ثِقَاتٌ عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعًا ‏"‏ إنَّ أَحْسَنَ النَّاسِ إسْلَامًا أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا ‏"‏ ‏.‏

وَالطَّبَرَانِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ شَرِيكٍ مَرْفُوعًا ‏"‏ قَالُوا مَنْ أَحَبُّ عِبَادِ اللَّهِ إلَى اللَّهِ‏؟‏ قَالَ أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا ‏"‏ ‏.‏

وَالْبَزَّارُ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا ‏"‏ أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِخِيَارِكُمْ‏؟‏ قَالُوا بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ ‏,‏ قَالَ أَطْوَلُكُمْ أَعْمَارًا ‏,‏ وَأَحْسَنُكُمْ أَخْلَاقًا ‏"‏ وَفِيهِ ابْنُ إسْحَاقَ لَمْ يُصَرِّحْ بِالسَّمَاعِ ‏.‏

وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ عَنْ أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ‏"‏ اتَّقِ اللَّهَ حَيْثُ مَا كُنْتَ ‏,‏ وَأَتْبِعْ السَّيِّئَةَ الْحَسَنَةَ تَمْحُهَا ‏,‏ وَخَالِقْ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ ‏"‏ ‏.‏

وَأَخْرَجَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ بِسَنَدٍ رُوَاتُهُ ثِقَاتٌ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ ‏"‏ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ‏:‏ اللَّهُمَّ كَمَا أَحْسَنْت خَلْقِي فَأَحْسِنْ خُلُقِي ‏"‏ وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ مَرْفُوعًا ‏"‏ اللَّهُمَّ أَحْسَنْت خَلْقِي فَأَحْسِنْ خُلُقِي ‏"‏ وَصَحَّحَ ابْنُ حِبَّانَ خَبَرَ ابْنِ مَسْعُودٍ وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِ الدَّعَوَاتِ وَقَالَ فِيهِ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذَا نَظَرَ إلَى وَجْهِهِ فِي الْمِرْآةِ فَذَكَرَهُ ‏.‏

وَرَوَاهُ أَبُو بَكْرِ بْنِ مَرْدُوَيْهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَعَائِشَةَ رضي الله عنهما مَرْفُوعًا وَفِي آخِرِهِ ‏"‏ وَحَرِّمْ وَجْهِي عَلَى النَّارِ ‏"‏ ‏.‏

وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه مَرْفُوعًا ‏"‏ أَنَّ أَحَبَّكُمْ إلَيَّ أَحَاسِنُكُمْ أَخْلَاقًا ‏,‏ الْمُوَطَّئُونَ أَكْنَافًا ‏,‏ الَّذِينَ يَأْلَفُونَ وَيُؤْلَفُونَ ‏.‏

وَإِنَّ أَبْغَضَكُمْ إلَيَّ الْمَشَّاءُونَ بِالنَّمِيمَةِ ‏,‏ الْمُفَرِّقُونَ بَيْنَ الْأَحِبَّةِ ‏,‏ الْمُلْتَمِسُونَ لِلْبُرَآءِ الْعَيْبَ ‏"‏ ‏.‏

 مطلب إذَا كَانَ لِلْمَرْأَةِ أَزْوَاجٌ لِمَنْ تَكُونُ فِي الْآخِرَةِ‏؟‏

وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ وَالْبَزَّارُ عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ قَالَتْ أُمُّ حَبِيبَةَ ‏"‏ يَا رَسُولَ اللَّهِ الْمَرْأَةُ يَكُونُ لَهَا زَوْجَانِ ثُمَّ تَمُوتُ فَتَدْخُلُ الْجَنَّةَ هِيَ وَزَوْجَاهَا لِأَيِّهِمَا تَكُونُ لِلْأَوَّلِ أَوْ لِلْآخَرِ‏؟‏ قَالَ تُخَيَّرُ أَحْسَنَهُمْ خُلُقًا كَانَ مَعَهَا فِي الدُّنْيَا يَكُونُ زَوْجَهَا فِي الْجَنَّةِ يَا أُمَّ حَبِيبَةَ ذَهَبَ حُسْنُ الْخُلُقِ بِخَيْرِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ‏"‏ وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ أَيْضًا فِي الْكَبِيرِ وَالْأَوْسَطِ مِنْ حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ وَكِلَاهُمَا ضَعِيفٌ ‏.‏

وَفِي إعْلَامِ الْمُوَقِّعِينَ للإمام ابْنِ الْقَيِّمِ ‏"‏ سُئِلَ صلى الله عليه وسلم عَنْ الْمَرْأَةِ تَتَزَوَّجُ الرَّجُلَيْنِ وَالثَّلَاثَةَ مَعَ مَنْ تَكُونُ مِنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ‏؟‏ قَالَ تُخَيَّرُ فَتَكُونُ مَعَ أَحْسَنِهِمْ خُلُقًا ‏"‏ ‏.‏

انْتَهَى ‏.‏

وَلَفْظُ حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ فِي آخِرِ حَدِيثٍ طَوِيلٍ ذَكَرْتُهُ فِي كِتَابِي الْبُحُورِ الزَّاخِرَةِ مَعَ بَيَانِ ضَعْفِهِ ‏"‏ قُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ الْمَرْأَةُ مِنَّا تَتَزَوَّجُ الزَّوْجَيْنِ وَالثَّلَاثَةَ وَالْأَرْبَعَةَ فِي الدُّنْيَا ثُمَّ تَمُوتُ فَتَدْخُلُ الْجَنَّةَ وَيَدْخُلُونَ مَعَهَا مَنْ يَكُونُ زَوْجَهَا مِنْهُمْ‏؟‏ قَالَ يَا أُمَّ سَلَمَةَ إنَّهَا تُخَيَّرُ فَتَخْتَارُ أَحْسَنَهُمْ خُلُقًا فَتَقُولُ أَيْ رَبِّ إنْ هَذَا كَانَ أَحْسَنَهُمْ مَعِي خُلُقًا فِي دَارِ الدُّنْيَا فَزَوِّجْنِيهِ ‏.‏

يَا أُمَّ سَلَمَةَ ذَهَبَ حُسْنُ الْخُلُقِ بِخَيْرِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ‏"‏ ‏.‏

وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ وَالْأَوْسَطِ وَالْبَيْهَقِيِّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا ‏"‏ الْخُلُقُ الْحَسَنُ يُذِيبُ الْخَطَايَا كَمَا يُذِيبُ الْمَاءُ الْجَلِيدَ ‏,‏ وَالْخُلُقُ السُّوءُ يُفْسِدُ الْعَمَلَ كَمَا يُفْسِدُ الْخَلُّ الْعَسَلَ ‏"‏ ضَعَّفَهُ الْمُنْذِرِيُّ ‏.‏

وَأَخْرَجَ أَبُو يَعْلَى وَالْبَزَّارُ مِنْ طُرُقٍ أَحَدُهَا حَسَنٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ‏"‏ إنَّكُمْ لَنْ تَسَعُوا النَّاسَ بِأَمْوَالِكُمْ وَلَكِنْ يَسَعُهُمْ مِنْكُمْ بَسْطُ الْوَجْهِ وَحُسْنُ الْخُلُقِ ‏"‏ وَرَوَاهُ أَبُو حَفْصٍ الْعُكْبَرِيُّ فِي الْأَدَبِ لَهُ مِنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها مَرْفُوعًا بِلَفْظِ ‏"‏ إنَّكُمْ لَنْ تَسَعُوا النَّاسَ بِأَمْوَالِكُمْ فَلْيَسَعْهُمْ مِنْكُمْ طَلَاقَةُ الْوَجْهِ وَحُسْنُ الْبِشْرِ ‏"‏ ‏.‏

وَأَخْرَجَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَرُوَاتُهُ رُوَاةُ الصَّحِيحِ وَالطَّبَرَانِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ عَنْ أَبِي ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيِّ رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ‏"‏ إنَّ أَحَبَّكُمْ إلَيَّ وَأَقْرَبَكُمْ مِنِّي فِي الْآخِرَةِ مَحَاسِنُكُمْ أَخْلَاقًا ‏.‏

وَإِنَّ أَبْغَضَكُمْ إلَيَّ وَأَبْعَدَكُمْ مِنِّي فِي الْآخِرَةِ أسوأكم أَخْلَاقًا الثَّرْثَارُونَ الْمُتَفَيْهِقُونَ الْمُتَشَدِّقُونَ ‏"‏ وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ وَحَسَّنَهُ وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ أسوأكم أَخْلَاقًا ‏.‏

وَزَادَ فِي آخِرِهِ ‏"‏ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ عَلِمْنَا الثَّرْثَارُونَ والمتشدقون فَمَا الْمُتَفَيْهِقُونَ‏؟‏ قَالَ الْمُتَكَبِّرُونَ ‏"‏ قَالَ الْحَافِظُ الْمُنْذِرِيُّ‏:‏ الثَّرْثَارُ بِثَاءَيْنِ مُثَلَّثَتَيْنِ مَفْتُوحَتَيْنِ هُوَ الْكَثِيرُ الْكَلَامِ تَكَلُّفًا ‏.‏

وَالْمُتَشَدِّقُ هُوَ الْمُتَكَلِّمُ بِمِلْءِ شِدْقَيْهِ تَفَاضُحًا وَتَعْظِيمًا لِكَلَامِهِ ‏.‏

وَالْمُتَفَيْهِقُ أَصْلُهُ مِنْ الْفَهْقِ وَهُوَ الِامْتِلَاءُ و هُوَ بِمَعْنَى الْمُتَشَدِّقِ لِأَنَّهُ الَّذِي يَمْلَأُ فَاهُ بِالْكَلَامِ وَيَتَوَسَّعُ فِيهِ إظْهَارًا لِفَصَاحَتِهِ وَفَضْلِهِ وَاسْتِعْلَاءً عَلَى غَيْرِهِ ‏,‏ وَلِهَذَا فَسَّرَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِالْمُتَكَبِّرِ ‏.‏

وَأَخْرَجَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ عَنْ رَافِعِ بْنِ مَكِيثٍ وَكَانَ مِمَّنْ شَهِدَ الْحُدَيْبِيَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ ‏"‏ حُسْنُ الْخُلُقِ نَمَاءٌ ‏,‏ وَسُوءُ الْخُلُقِ شُؤْمٌ ‏,‏ وَالْبِرُّ زِيَادَةٌ فِي الْعُمْرِ ‏,‏ وَالصَّدَقَةُ تَدْفَعُ مِيْتَةَ السُّوءِ ‏"‏ ‏.‏

وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعًا ‏"‏ الشُّؤْمُ سُوءُ الْخُلُقِ ‏"‏ وَرَوَاهُ فِيهِ أَيْضًا عَنْ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا بِلَفْظِ ‏"‏ مَا الشُّؤْمُ‏؟‏ قَالَ سُوءُ الْخُلُقِ ‏"‏ وَهُمَا ضَعِيفَانِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْحَافِظُ الْمُنْذِرِيُّ وَرِجَالُ حَدِيثِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ ثِقَاتٌ سِوَى رَاوٍ لَمْ يُسَمَّ ‏.‏

الشُّؤْمُ ضِدُّ الْيُمْنِ ‏,‏ يُقَالُ تَشَاءَمْت بِالشَّيْءِ وَتَيَمَّنْت بِهِ ‏,‏ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ‏.‏

وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ فِي الصَّغِيرِ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ عَنْ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا ‏"‏ مَا مِنْ شَيْءٍ إلَّا لَهُ تَوْبَةٌ إلَّا صَاحِبَ سُوءِ الْخُلُقِ فَإِنَّهُ لَا يَتُوبُ مِنْ ذَنْبٍ إلَّا عَادَ فِي شَرٍّ مِنْهُ ‏"‏ وَرَوَاهُ الْأَصْبَهَانِيُّ عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْجَزِيرَةِ لَمْ يُسَمِّهِ عَنْ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ‏"‏ مَا مِنْ ذَنْبٍ أَعْظَمَ عِنْدَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ سُوءِ الْخُلُقِ وَذَلِكَ أَنَّ صَاحِبَهُ لَا يَخْرُجُ مِنْ ذَنْبٍ إلَّا وَقَعَ فِي ذَنْبٍ ‏"‏ وَهَذَا مُرْسَلٌ ‏.‏

وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَدْعُو يَقُولُ ‏"‏ اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِك مِنْ الشِّقَاقِ وَالنِّفَاقِ وَسُوءِ الْأَخْلَاقِ ‏"‏ ‏.‏

وَفِي الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ عَنْ الْبَرَاءِ رضي الله عنه ‏"‏ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَحْسَنَ النَّاسِ وَجْهًا ‏,‏ وَأَحْسَنَهُمْ خُلُقًا ‏"‏ ‏.‏

وَالْإِمَامُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ مَرْفُوعًا ‏"‏ حُرِّمَ عَلَى النَّارِ كُلُّ هَيِّنٍ لَيِّنٍ قَرِيبٍ مِنْ النَّاسِ ‏"‏ ‏.‏

وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ مَرْفُوعًا ‏"‏ مَا مِنْ شَيْءٍ فِي الْمِيزَانِ أَثْقَلُ مِنْ خُلُقٍ حَسَنٍ ‏"‏ ‏.‏

وَرَوَى الْخَلَّالُ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رضي الله عنه مَرْفُوعًا ‏"‏ إنَّ اللَّهَ كَرِيمٌ يُحِبُّ الْكَرِيمَ وَمَعَالِي الْأَخْلَاقِ وَيَكْرَهُ سَفْسَافَهَا ‏"‏ ‏.‏

وَرَوَى أَيْضًا عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعًا ‏"‏ إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ مَكَارِمَ الْأَخْلَاقِ وَيَكْرَهُ سَفْسَافَهَا ‏"‏ قَالَ فِي الْآدَابِ الْكُبْرَى‏:‏ السَّفْسَافُ الْأَمْرُ الْحَقِيرُ وَالرَّدِيءُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ ضِدُّ الْمَعَالِي وَالْمَكَارِمِ ‏.‏

وَفِي الْقَامُوسِ‏:‏ السَّفْسَافُ الرَّدِيءُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَالْأَمْرُ الْحَقِيرُ وَمِنْ الدَّقِيقِ مَا يُرْفَعُ مِنْ غُبَارِهِ عِنْدَ النَّخْلِ ‏.‏

وَمِنْ الشَّعْرِ رَدِيئُهُ ‏,‏ وَمَا دَقَّ مِنْ التُّرَابِ ‏.‏

انْتَهِي ‏.‏

وَقَالَ الْحَسَنُ رحمه الله تعالى‏:‏ مَعَالِي الْأَخْلَاقِ لِلْمُؤْمِنِ قُوَّةٌ فِي لِينٍ ‏,‏ وَحَزْمٌ فِي دِينٍ ‏,‏ وَإِيمَانٌ فِي يَقِينٍ ‏,‏ وَحِرْصٌ عَلَى الْعِلْمِ ‏,‏ وَاقْتِصَادٌ فِي النَّفَقَةِ ‏,‏ وَبَذْلٌ فِي السَّعَةِ ‏,‏ وَقَنَاعَةٌ فِي الْفَاقَةِ ‏,‏ وَرَحْمَةٌ لِلْمَجْهُودِ ‏,‏ وَإِعْطَاءٌ فِي كَرْمٍ ‏,‏ وَبِرٌّ فِي اسْتِقَامَةٍ ‏.‏

وَقَالَ الْأَشْعَثُ بْنُ قَيْسٍ يَوْمًا لِقَوْمِهِ إنَّمَا أَنَا رَجُلٌ مِنْكُمْ ‏,‏ لَيْسَ فِيَّ فَضْلٌ عَلَيْكُمْ ‏,‏ وَلَكِنِّي أَبْسُطُ لَكُمْ وَجْهِي ‏,‏ وَأَبْذُلُ لَكُمْ مَالِي ‏,‏ وَأَقْضِي حُقُوقَكُمْ ‏,‏ وَأَحُوطُ حَرِيمَكُمْ ‏,‏ فَمَنْ فَعَلَ مِثْلَ فِعْلِي فَهُوَ مِثْلِي ‏,‏ وَمَنْ زَادَ عَلَيَّ فَهُوَ خَيْرٌ مِنِّي وَمَنْ زِدْت عَلَيْهِ فَأَنَا خَيْرٌ مِنْهُ ‏.‏

قِيلَ لَهُ يَا أَبَا مُحَمَّدٍ مَا يَدْعُوك إلَى هَذَا الْكَلَامِ‏؟‏ قَالَ أَحُضُّهُمْ عَلَى مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ ‏.‏

وَفِي حَدِيثٍ ضَعِيفٍ غَيْرِ أَنَّهُ لَهُ شَوَاهِدُ ‏"‏ مَا جُبِلَ وَلِيٌّ لِلَّهِ إلَّا عَلَى السَّخَاءِ وَحُسْنِ الْخُلُقِ ‏"‏ وَالْأَخْبَارُ وَالْآثَارُ فِي ذَلِكَ كَثِيرَةٌ جِدًّا ‏.‏

‏(‏لِلْوَالِدِ‏)‏ الْمَعْرُوفُ فِي الذِّهْنِ يَعْنِي جِنْسَ الْوَالِدِ فَيَشْمَلُ الْأُمَّ وَالْأَبَ وَإِنْ عَلَوْا ‏(‏الْمُتَأَكِّدِ‏)‏ فِي الْقُرْبِ وَالْمُسْتَحِقِّ لِلْبِرِّ ‏,‏ كَمَا أَخْبَرَ الرَّبُّ ‏.‏

فَبِرُّ الْوَالِدَيْنِ مِنْ أَعْظَمِ الْقُرُبَاتِ ‏,‏ وَعُقُوقُهُمَا مِنْ أَكْبَرِ الْمُوبِقَاتِ كَمَا سَنَذْكُرُهُ مِنْ الْآيَاتِ الْمُحْكَمَاتِ وَالْآثَارِ الْمُسْنَدَاتِ ‏.‏

وَرَأَيْت فِي عِدَّةِ نُسَخٍ مَكَانَ هَذَا الْبَيْتِ بَدَلَهُ مَا لَفْظُهُ ‏(‏وَإِنَّ عُقُوقَ‏)‏ أَيْ إيذَاءَ ‏(‏الْوَالِدَيْنِ‏)‏ تَثْنِيَةُ وَالِدٍ ‏,‏ يُقَالُ عَقَّ وَالِدَهُ ‏.‏

يَعُقُّهُ عُقُوقًا فَهُوَ عَاقٌّ إذَا آذَاهُ وَعَصَاهُ وَخَرَجَ عَلَيْهِ وَهُوَ ضِدُّ الْبِرِّ بِهِ ‏,‏ وَأَصْلُهُ مِنْ الْعَقِّ الَّذِي هُوَ الشَّقُّ وَالْقَطْعُ ‏(‏كَبِيرَةٌ‏)‏ الْكَبِيرَةُ مِنْ الذُّنُوبِ مَا فِيهِ حَدٌّ فِي الدُّنْيَا أَوْ وَعِيدٌ فِي الْآخِرَةِ ‏,‏ وَزَادَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ أَوْ نَفْيُ إيمَانٍ أَوْ لَعْنٌ مُبْعِدٌ ‏.‏

وَفِي مَنْظُومَةِ الْكَبَائِرِ‏:‏ فَمَا فِيهِ حَدٌّ فِي الدُّنْيَا أَوْ تَوَعُّدٌ بِأُخْرَى فَسَمِّ كُبْرَى عَلَى نَصِّ أَحْمَدَ وَزَادَ حَفِيدُ الْمَجْدُ أَوْ جَا وَعِيدُهُ بِنَفْيٍ لِإِيمَانٍ وَلَعْنٍ مُبْعِدِ ‏(‏فَبِرُّهُمَا‏)‏ أَيْ الْوَالِدَيْنِ وَالْبِرُّ الصِّلَةُ وَالْحَسَنَةُ وَالْخَيْرُ وَالْإِشْبَاعُ فِي الْإِحْسَانِ ‏,‏ فَهُوَ ضِدُّ الْعُقُوقِ ‏.‏

قَالَهُ فِي الْقَامُوسِ ‏.‏

وَفِي الْمَطَالِعِ فِي قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم ‏"‏ وَإِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إلَى الْبِرِّ ‏"‏ الْبِرُّ اسْمٌ جَامِعٌ لِلْخَيْرِ ‏.‏

قَالَ وَبِرُّ الْأَبَوَيْنِ كُلُّهُ مِنْ الصِّلَةِ وَفِعْلُ الْخَيْرِ وَالتَّوَسُّعُ فِيهِ وَاللُّطْفُ وَالطَّاعَةُ ‏(‏تَبْرُرْ‏)‏ أَيْ يَبَرُّك أَوْلَادُك أَوْ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ جَزَاءً لِبِرِّك وَالِدَيْك ‏,‏ فَإِنَّ مَنْ بَرَّ وَالِدَيْهِ بَرَّهُ أَوْلَادُهُ كَمَا يَأْتِي فِي الْخَبَرِ ‏,‏ وَمَنْ عَقَّهُمَا عَقَّهُ أَوْلَادُهُ جَزَاءً وِفَاقًا ‏.‏

قَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ‏:‏ مَنْ عَصَى وَالِدَيْهِ لَمْ يَنَلْ السُّرُورَ مِنْ وَلَدِهِ ‏.‏

وَعَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ قَالَ‏:‏ رَأَيْت رَجُلًا يَضْرِبُ أَبَاهُ فِي مَوْضِعٍ فَقِيلَ لَهُ مَا هَذَا‏؟‏ فَقَالَ الْأَبُ‏:‏ خَلُّوا عَنْهُ فَإِنِّي كُنْت أَضْرِبُ أَبِي فِي هَذَا الْمَوْضِعِ فَابْتُلِيت بِابْنِي يَضْرِبُنِي فِي هَذَا الْمَوْضِعِ ‏.‏

‏(‏وتحمد‏)‏ مَجْزُومٌ فِي جَوَابِ الطَّلَبِ وَكُسِرَ لِلْقَافِيَةِ ‏,‏ يَعْنِي تُحْمَدُ فِي الدُّنْيَا بِحُسْنِ الثَّنَاءِ مِنْ الْخُلُقِ وَالْمَلَأِ الْأَعْلَى ‏,‏ وَتُحْمَدُ فِي الْآخِرَةِ لَدَى رَبِّ السَّمَوَاتِ الْعُلَى ‏,‏ وَتُحْمَدُ عَاقِبِةُ بِرِّك لَهُمَا فِي الدَّارِ الْآخِرَةِ كَمَا حَصَلَتْ لَكَ بَرَكَتُهُ فِي الْأُولَى ‏.‏

قَالَ جَلَّ شَأْنُهُ ‏{‏وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا‏}‏ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْآيَاتِ الْقُرْآنِيَّةِ ‏.‏